يوهان #30

فـي سبعينيات القرن الماضي، التُقطت صورة من فوق جسر يطلّ علـى طريق عام. تَظهر فيها السيارات مثل باقة ألوان متنوعة تنبض بالحياة. الأبيض والأصفر والأحمر والأخضر والأزرق…، وغيرها من الألوان التي كانت تُزيّن الطرقات.

اصعد اليوم على جسر فوق أحد الطرق الرئيسية فـي الرياض وشاهد السيارات وهي تمر من تحتك. أليست غالبية السيارات بالأبيض أو الأسود أو تدرّجاتهما!؟ أُهنّئك: لقد رأيت الحمار الوحشي.

 

قد يبدو ذلك شيئًا عابرًا. ربما لكنني إذا فكرت في الأمر استبعد ذلك جدًا. فغِنى ألوان السيارات في الماضي ليس ظاهرة محايدة، بل قرينة علــى قرار مستقلّ ورغبة في التميّز ومقدمة لشخصية متفردة. لون السيارة قصة تعكس شخصية صاحبها، أو تفضيل مميز لا يشاركه فيه أقرانه.

بعد انفتاح الدنيا؛ بَدَا أن الناس صارت مستقلّة بشكل كبير، لا يتحكّم بها أحد وليست قطيعًا يُساق. المفارقة أن نمط السيارات المتتابعة بالأبيض والأسود يقول غير ذلك. فقطيع الحمر الوحشية من السيارات لا تخلو منه مدينة!

 

قبل سنوات لعبتُ لعبة “الفيفا”. إصدار جديد امتعض بعض أعضاء الشلة من الأخطاء وسوء اللعب فيه مقارنةً بما سبقه. فردّ عليه أحدهم: “لا. الإصدار الجديد دائمًا أفضل”

 

أُسجّل موقفًا الآن وأقول: الجديد لا يكتسب الأفضلية بمجرد أنه تأخّر! الجديد قد يكون أفضل، وقد يكون أسوأ. حتى لو كان أفضل فـي شيء ما، فهذا لا يعني أنه حاز أفضلية مطلقة فـي كل شيء.

 

شيوع وسائل التواصل الاجتماعي، وانفتاح باب مشاركة كل شيء على مصراعيه سببان رئيسان لنمط التكرار البشع الذي نراه فـي كل شيء.

الناس موجّهة بشكل لا واعٍ من فئة قليلة لها مصالح مادية –مشروعة فـي الغالب- جعلت ما يريده شخص من أقصى المشرق، هو نفسه ما يريده شخص من أقصى المغرب. والعلّة أنهما جمهور للمعلن الفلاني أو المشهور العلاني.

 

الفئة الذهبية من عشاق الـ”سوشل ميديا” نالت ترقية وظيفية، وصار منهم قضاة ورقباء على كل شيء مهما كان تافهًا. يحكمون علـى الآخرين  بمجرد الخروج عن النسق أو الشذوذ عن القطيع. ويحتسبون الأجر في إرجاعهم إلى حظيرة القطيع، والواقع أنهم مجرد مستخدمين بلا أجر .

 

لا شك أننا أهل الألفية الثالثة تقدمنا في كل شيء تقريبًا، لكنني أتعجّب غاية العجب من كون صورة قديمة بسيطة تثير فينا شعورًا بالجمال والتنوع لا تستطيع صورة “Full HD” معاصرة إلا أن تجعلنا نتحسر عليه!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top