آذار…

مارس (آذار) من الأشهر المحببة عندي. هو أول نسائم الربيع، يُعرف بجمال جوه ولطافته، وخضرة الأرض وزخرفها. يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:

مَثَلُ الحَياةِ تُحَبُّ في عَهدِ الصِبا**مَثَلُ الرِياضِ تُحَبُّ في آذارِ

يحبه الصيفيون لأنهم يرون فيه هزيمة جيش الشتاء وارتحاله عن معسكره، ويحبه الشتائيون أيضًا، فهو يذكرهم ويعطيهم الأمل بأن الشتاء لم يفارقهم بعد وأن أيامه لا تزال باقية.

تعود أصول اسم شهر مارس إلى الأساطير الرومانية القديمة. فقد كان الرومان يعبدون درزنًا من الآلهة، من بينها إله الحرب الروماني “مارس”، وفي لفتة قليلة الإبداع و مبادرة عديمة (الكرييتيڤيتي) سموا الشهر بنفس الاسم أيضًا، وأقاموا فيه الاحتفالات لإله الحرب، وقدموا له القرابين.

وكان شهر مارس هو شهر البداية في السنة الرومانية القديمة، إذ أنه بداية فصل الربيع، وزيادة ساعات النهار وتحسن الأحوال الجوية بشكل عام.

وبحكم امتداد نفوذ الرومان مدة من الزمان، في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا الوسطى، استمدت الثقافات المجاورة اسم شهر مارس من الرومان، ولم يتغير اسم الشهر الشمسي حتى اليوم، بيد أن الشهر الثالث في السنة الشمسية قد حظي باسم آخر هو “آذار” يرجح الباحثون أنه اسم من اللغة السريانية القديمة.

في التراث البشري اختلف الناس في شهر مارس وذلك بسبب طبيعته فهو شهر قد يكون شديد البرودة وقد يكون معتدلاً، حيّر الناس قديماً فلا هم متفقون على محبته، ولا هم مطبقون على كراهيته. في الزمن الماضي، وخاصة في المناطق الشمالية كان البرد شديداً جدًا، ووسائل التدفئة صعبة وغير متيسرة، وغالبية الناس كانت تتمنى زوال الشتاء بسرعة، وتدعوا أن لا يطيل الله في عمره. لا يلامون، لأن الشتاء كان يعيق حياتهم، ويؤذيهم أشد الأذى.

يقول الأوروبيون في أمثالهم: “March comes in like a lion and goes out like a lamb”. وهي حكمة شعبية تشير إلى أن شهر مارس يبدأ أسدًا عنيفًا شديد البرد، ولا يلبث أن يهدأ ويتلطف، حتى يكون عند انقضائه حَمَلا (من الضأن) وديعًا مسالمًا لا شر فيه.

روزنامة مارس تمتلئ بأحداث كثيرة وفعاليات سنوية، تتنوع ما بين الأيام الوطنية وأعياد الاستقلال، إلى المناسبات السنوية مثل: يوم المرأة وعيد الأم، وفي مارس أيضًا في اليوم الحادي والعشرين منه يكون اليوم العالمي للشعر، وهي مناسبة حديثة الميلاد، توافق يوم الانقلاب الربيعي الذي يحدث في نصف الكرة الأرضية الشمالي، واختير له هذا اليوم بالذات كناية عن كون الشعر ربيعًا للشعوب وروضةً في أرض كل ثقافة.

وفي هذه السنة 2023، ازدان شهر مارس بإضافة يوم العلم السعودي إلى تقويمه، حيث صدر الأمر الملكي باعتبار يوم الحادي عشر من شهر مارس يومًا للعلم السعودي. العلم الذي لا يُنكّس ولا ينزل من قمة الصاري أبدًا.

سيزداد مارس جمالًا في عيني هذه السنة، كيف لا؟ وقد أضيفت له هذه الذكرى الوطنية العظيمة، فضلًا عن أن أواخر أيامه ستوافق أوائل أيام شهر رمضان المبارك، بلغنا الله لياليه وأيامه، وبارك لنا فيه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top