فكّـر خارج الصندوق. جملة محفوظة ومكررة لدرجة أنها أصبحت مملة.
من يقول هذه العبارة يفترض أنه يوجد صندوق ما، مكعّب الشكل وسداسي الأوجه، وأن دماغك محصور داخل هذا الصندوق لا يستطيع مغادرته إلا بجهد خارق أو عبقرية فذة. بالإضافة إلى أن هذا الصندوق شيءٌ بغيض سيئ يجب رميه والخلاص منه بأسرع وقت.
قد يعلم هذا القائل أو لا يعلم، أن صناديقنا مختلفة، بعضها فسيح واسع، وبعضها ضيق حَـرِج. منها ما يسهل التخلص منه والآخر قد يبقى مع صاحبه حتى يدخلا القبر سويًا.
بالنسبة لي فالأمر ليس سهلًا أبدًا. أعتقد أن الخروج من الصندوق يستلزم معرفة تامة بالصندوق نفسه. وخبرةً تسمح لصاحبها بحفظ تضاريسه ودروبه وصولًا إلى حدوده الخارجية، التي يعرف بها أنه خارج الصندوق أو داخله.
في رأيي القاعدة تقول: أنت لا تستطيع التفكير خارج الصندوق إلا إذا قتلت التفكير داخل الصندوق.
يُعتبر الإبداع والتجديد والأفكار الخـلّاقة، أبناءً شرعيين للدراسة والخبرة ومعرفة السوق والواقع، فهي وإن اختلفت عن السائد والمُجـرّب، إلا أنها تعد تطويرًا له أو تجاوزًا لبعض نقاط ضعفه، وليست شيئًا مغايرًا له أو نقضًا تامًا لقوانينه وأُسسه.
ليس التفكير خارج الصندوق هدفًا في حد ذاته، بل الأفكار التي تنتج منه هي المقصودة. فلو كنتُ رئيسًا تنفيذيًا أو صاحب “بزنس” وجاءني شخص بفكرة مفيدة لعملي، لن أهتم كثيرًا هل هي من داخل الصندوق أو من خارجه أو من صندوق آخر.
قد نتوقع أن التفكير خارج الصندوق أمر مرغوب، ومطلوب مشترك بين كل الناس. للأسف ليست الحياة وردية دائمًا. فمن الناس من لا يفكر خارج الصندوق ولا يريد منك أن تفكر خارج الصندوق أصلًا.
فإذا كان مديرًا تجد وِرده اليومي هو: (ليش!؟، لا تجتهد، لا تتفلسف …الخ) المجهول بالنسبة له خطر، والغموض وحش كاسر يجب الفرار منه، وأحسن الموظفين عنده هو أكثرهم غوصًا داخل الصندوق.
عندي فضول يجعلني أتساءل: لو كانت الصناديق فوق رؤوسنا حقيقة، كيف سيستقبلنا الحلاق؟!