في نهاية هذا العالم، في أقصى طرف منه، يوجد قصر كبير عتيق، لعله بُني قبل آلاف السنين أو ربما ملايين. تحجب القصر عن الأعين غابة مترامية الأطراف، دغلٌ رطب كثيف الأشجار، يشعر من يراه أنه منقبض عن كل داخل، منعزل لا يريد أحدًا.
وهكذا تعاقبت آلاف السنين متشابهة، وظن السلام أن حياته ستستمر كذلك.
فجأة، وبلا سابق إنذار، وفي ليلة ثلاثاء مظلمة في اليوم الثالث عشر من الشهر قتل قابيل أخاه هابيل وسال الدم الحار على الأرض.
رُبَّ يومٍ بكيتُ منهُ فلما ** صرتُ في غيره بكيتُ عليه
صار أفراد عائلة القيم، يرثون لحال أخيهم الأصغر ويشفقون عليه. تبدل شعورهم بالأمس من الغيرة إلى الرحمة، وأصبحوا يشكرون الله كل يوم على حياتهم الطيبة الروتينية، وأمست أعظم حكمة في قاموسهم: “من شاف مصيبة السلام هانت عليه مصيبته”.
يتشاءم السلام كلما سمع اسمه يتردد بين البشر، علمته التجارب أن الخطر يزداد ويقترب إذا أكثر البشر من ذكر اسمه وتكريره.
المشكلة أنهم يفعلون ذلك على مرأى ومسمع من السلام، يقولون ذلك وهو بين أظهرهم لم يزل!
يصرخ السلام ويصيح: كذّابون منافقون. البشر آهٍ ثم آهٍ منهم، أخبث الكائنات وأشدهم مكرًا. أتيتهم جهارًا وإسرارًا، جماعات ووحدانا، ليلا ونهارًا. ألقيت بنفسي في طريقهم، تعرضت لهم في كل مكان، ولم يهتم لأمري أحد منهم. كانوا يعرفونني ويتجاهلون، يرونني ويتعامون، ثم يخرجون على منابرهم يقولون أين أنت أيها السلام! أفٍ لكم، كم تمنيت أن الله لم يخلقكم.
اللهم أنت السلام ومنك السلام أنعم علينا بالسلام في الدنيا والآخرة.