مأساة فنان

 قرأت في عدد قديم جدًا من مجلة الرسالة العتيقة عن روائـيّة انجليزية – هي ويلزية على وجه الدقة –  اسمها دوروثي إدوارد اشتهرت بأقاصيصها القصيرة التي كانت تودعها نظرياتها الخاصة عن الحياة العصرية، وأكسبها ذلك شهرة أدبية واسعة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد طُبعت رواياتها أكثر من مئة طبعة وهي لم تتجاوز العقد الثالث من العمر.

المثير للاستغراب في هذا الخبر أنها وجدت صباح ذات يوم ملقاة إلى جانب سكة الحديد. ويُستدل من التحريات التي أجراها بوليس سكوتلانديارد أنها استقلت القطار بعد أن حضرت عدة حفلات موسيقية حيث عثر على جثتها في صبيحة اليوم التالي، ولا يعلم إن كانت قد تعمدت الانتحار أم سقطت أثناء اجتياز عربات القطار في الليل.

‏أثار فضولي هذا الخبر الذي لا يتجاوز نصف عمود في الصحيفة ودفعني إلى البحث عن هذه الروائية الشابة، وفوجئت أنها توفيت عن اثنتين وثلاثين سنة فقط عام 1934. وأنها كانت عضوة بارزة في مجموعة تسمى “Bloomsbury”” مجموعة تضم كُـتّابًا وفنانين وفلاسفة ومفكرين.


‏في خبر صحيفة الرسالة التي صدرت في السادس والعشرين من فبراير عام 1934 أي بعد شهر من الحادثة لم تُذكر أية تفاصيل مؤكدة، حتى أنهم لم يكونوا متأكدين من أن الوفاة كانت حادثًا أم انتحارًا.


لكن مع استمرار التحقيقات اتضح أنها ألقت بنفسها أمام القطار في محطة سكة حديد كيرفيلي، وقد تركت رسالة انتحار قالت فيها: “قتلت نفسي لأنني لم اشعر بالحب بصدق من أي إنسان طوال حياتي! لقد أعطيت اللطف والصداقة وحتى الحب دون منةٍ، ولم أُعـطَ شيئا في المقابل!


‏لا أنكر أنني حزنت لما آل إليه مصير هذه الشابة الأديبة، وكيف لمثل هذه المشاعر السلبية أن تجعل إنسانًا عاقلًا يقتل نفسه!؟


 أعلم يقينًا أن الخليط المكونة من أنثى وشابة وأديبة روائية، يقتضي بالضرورة وجود عاطفةٍ ملتهبة ومشاعر جياشة قد تجعل اتخاذ القرار العقلاني المنطقي ضربًا من المحال.

لكنني بالمقابل أرى أن الحياة  أنصفت هذه الشابة، حتى صار اسمها على صغر سنها يُذكر في صحيفة يقرأها أناس لم تسمع بهم ولم ترهم طيلة حياتها، بالإضافة إلى الأرقام الكبيرة التي حققتها قصصها القصيرة.


‏أتعجب كيف طغت الفكرة السلبية على الإيجابية، كيف غلب الظلام النور إلى درجة جعلت الحياة معها مستحيلة!

 قد يكون الأدب ورقة المشاعر سببًا في الحزن العميق الدائم سببًا في أن يرى صاحبها المعاناة في أي شيء. إن حساسية الفنان لها ضريبة لابد من دفعها. 


 أتساءل: هل قدر الفنان الرقيق والأديب المرهف أن يتجرع المعاناة طيلة حياته؟


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top