صورة لشخص يفوز بالأوسكار في العلن، ويتألم في الخفاء. مولّدة باستخدام الذكاء الاصطناعي

من يستحق جائزة الأوسكار؟ ممثل لا يظهر في الشاشة!

فنانٌ في العلاقات ومحبوب، يتمنّى كثير من الناس لقاءه ومصاحبته. آذاه القلق الاجتماعي ونغّص عليه حياته!

هذا تناقض. 

اعترض صاحبي الذي يَكبُرُني سنًا ومعرفة حين قلتُ في جمع من الأصحاب العبارة أعلاه: يا طارق، كيف يكون متمكّنًا في العلاقات، ثم يعاني من القلق الاجتماعي!؟ هذا كقولنا: “هذه دائرة مربعة”. مجرّد كلام، ولا يمكن أن يكون صحيحًا!

  وافَقَه كثيرٌ من الحاضرين على ذلك. بيّنتُ لهم أنني أعرف شخصًا على الحال الذي ذكرته لهم. أعرفه حقّ المعرفة، يعاني من القلق الاجتماعي، وهو في ذات الوقت متمكّن من العلاقات مبدعٌ فيها. خير وصف وجدته له أنه: ممثل بارع، ويعرف من أين تؤكل الكتف في مثل هذه الأمور.

 

يتكيّف بعض الذين يعانون من القلق على حياتهم، ويتعلّمون كيفية التعامل مع المواقف التي يظهر فيها القلق، بطريقة تبدو طبيعية للآخرين. 

إنهم ممثلون بارعون، يحسنون التصرّف بحيث يبدو للذي يعاملهم أنهم على أحسن ما يرام. مرتاحون هادئون، لكنهم في الواقع يعانون داخليًا، والهدوء والثقة التي تظهر عليهم، قشرة خارجية تُخفي تحتها بركانًا من المشاعر.

 

ينبغي أن توهب الأوسكار لهذا النوع من البشر، الذين يمارسون التمثيل كل يوم باحتراف. لقد أقنعوا الذين يعاملونهم باشتياقهم إليهم، وأنهم يتغذون على علاقاتهم معهم. بينما هم في الحقيقة جائعون للحظة يكونون فيها بمفردهم بلا بشر ولا ضوضاء.

 

وعلى صعيد المهنة والوظيفة، يعاني -في القطاع الخاص بالذات- من لا يكون له حظ وافر من بناء العلاقات، والذكاء الاجتماعي. يتأخّر حين يتقدّم الآخرون، ويُهمّش حين يبرز الذين هم أصغر منه وأحدث، حتى ولو كان أكفأ منهم تقنيًا. يا لحسرته، هذه هي الحياة لا تُكافئ المستحق دائمًا.

 

كلما أجاد التمثيل، ازداد ألمًا.

سيتحمّل ما لا يُحتمل، ستنهشه أنياب الآخرين حتى القريبون منه. لقد أظهر لهم جانبًا مضيئًا يحجب وراءه سوادً قاتمًا. حَسّنَه وجمّلَه، حتى صاروا على يقين بأنه مطبوع على ذلك مجبول عليه. يشعرون أنهم يحسنون إليه غاية الإحسان حين يتواصلون معه، ويدعونه إلى لقاءاتهم. وهو يدعو الله بينه وبين نفسه ألا يكثروا من ذلك!

 

الناس لا تفهمك إلا إذا قلتها لهم بصراحة

أهل الحساسية قلائل. الذين يعرفون ما يريد الآخر قوله بالنظر إلى عينيه، لن تقابلهم كثيرًا. ولسوء حظ صاحبنا الذكي مرهف الحس أن أغلب الناس ليسوا مثله!

قد يفاجئهم يومًا بثورة عارمة أو رد حاسم صادم، فمهما امتد الزمان فللتمثيل حدود ولصبر الإنسان طاقة لا يستطيع تجاوزها. وعندها يكون الأمر كالقنبلة المدمّرة، لا بد لها من شظايا قاتلة.

 

يؤلمهم كثيرًا قلّة من يفهمهم. إذ  لو باح أحد منهم إلى قريب منه لما صدّقه.

 كيف يُصدّق من امتلأ هاتفه برسائل الناس وإشعاراتهم، كيف يُصدّق من كان جواله لا يصمت حتى يحفظ الآخرون نغمته!؟ أيؤمن أن هذا يعاني من القلق الاجتماعي!؟ أيعذره إذا قال: إن طاقته لا يشحنها إلا أن يكون وحده في سكون وهدوء، بعيدًا عن صخب العالم!؟ هيهات.

 سيقول له: له لعلك متعب، ربما لا تريد ذلك الأمر. هذا عذر تختلقه لتفعل كذا وكذا…

 لا يُدرك مشاعره إلا القريبون منه وأصدقاؤه الخلص. ولذلك فإنه لا يبوح بهذا الأمر ويعدّه قدس أقداسه.

 

لا تحكم على الآخرين بمجرد الظاهر فكم من شخص تراه ضاحكًا مليئًا بالطاقة. إذا أوى إلى فراشه داهمته الآلام والوساوس والمخاوف. وجلد نفسه بسياط من حديد. وعض أنامله ندمًا على لقاء فلان والاجتماع مع علان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top