هل فكرتك الابتكارية هي “اليونيكورن” المُنتظر أم لا؟ وما علاقة داروين بالأمر!؟

 

صورة مولّدة باستخدام الذكاء الاصطناعي


لو كنتُ قائد منظمة كبيرة لملأت الحيرة نفسي حين يعرض عليّ أحد المرؤوسين فكرةً ما.


سأجعل القلم فوق أذني وأحكّ ذقني متسائلًا: أهذه الفكرة التي يقولها فلان أو يعرضها علاّن مجدية؟ هل هي “اليونيكورن المنتظر” الذي سينقذ الشركة، وسيرفع قَدْرها إلى الأبد، أم هي سراب يحسبه الظمآن ماءً!؟ 


أتراني أصدّ صاحبها وفكرته من أول الدرب، ولا أضيّع وقتي وطاقتي على شيء فاشل لا مستقبل له، ولا يمكن أن يقدّم شيئاً؟ أم أنني أستثمر فيها الوقت والمال والجهد لعلها تأتي بما لم تأت به الأوائل!؟


لنعُد إلى أرض الواقع. فلستُ صانع قرار إلا على أشياء لا تهمّ أحدًا، والمرجّح أنك عزيزي القارئ لست بعيدًا منّي. غير أنك وإياي نتساءل دائمًا: 


هل الفكرة التي تشغل تفكيرنا تستحقّ التعب؟ أنشعرُ أننا الفتى الذي أضاعوه وأيّ فتى أضاعوا!؟ 


للأسف ليس هناك فحص يخبرك بالحقيقة المؤكدة، ولا يمكن أن تعرف على وجه اليقين الجازم هل هذه الفكرة الوليدة ستنجح من أول الأمر أم لا.


فكّرت في الأمر ثم وجّهت هذا التساؤل إلى صديقي الذي أغيب عنه أحيانًا تشات جي بي تي “ChatGPT” ثم أردفتها ببحث في الصاحب القديم قوقل، فبرزت إليّ مباشرة إجابة الصديق  يونس بن عمارة على تساؤل طرحه أحد مستخدمي شبكة  كورا “Quora” الاجتماعية. وهذا نص السؤال: 


لدي فكرة ابتكارية، كيف أعرف أن هذه فكرة غير مطبقة وجديدة؟


يُقدّم العزيز يونس إجابته بعد تفكير طويل، ويقترح طريقتين تُفيد السائل ليُقيّم ما إذا كانت فكرته المبتكرة فريدة وتستحق التنفيذ أم لا :


الطريقة الأولى:  سؤال خبير في مجال فكرتك. له اطلاع دائم على مستجدات المجال



الطريقة الثانية: متابعة المكاتب الوطنية والدولية لبراءات الاختراع

(أليست هذه الأخيرة مرهقة!؟… لا تخف الحل في الإجابة) إجابة يونس بن عمارة


كلتا الطريقتين أسلوبٌ فعّال للتحقق من جدوى الفكرة الابتكارية، وتجنب تكرارها.

 بل إنها أيضًا تضيئ لك جانبًا مهمًا لاستكشاف إمكانية تطوير الفكرة، وتحويلها إلى منتج ناجح أو خدمة مطلوبة.



يتحرّك شيطان التشاؤم فيك قائلًا: “لكن ماذا لو لم تجد أذنًا صاغية؟!”.


أعترف أن شيطان التشاؤم ذكيَ ومعقّد. لن أكون مثاليًا، فمن الشائع أن يحاول بعض الناس مشاورة الخبراء، وسؤال أهل الاختصاص، ولا يجد الوسيلة المناسبة، أو لا يتيسّر له ذلك لأيّ سبب من الأسباب.


الحقيقة المرّة أنني لا أجد حلًا مباشرًا أُجيبك به.  لكنني أعود إلى جذر الفكرة وأساس الأمر وهو أنت. أنت يا صاحب الفكرة. 


هل أنت مؤمن بفكرتك تمام الإيمان، ومستعدّ لاختبارها بحقّها؟ 


أقول ذلك لأن المتحمّس لفكرته والمؤمن بها قد يُقنع مَن حوله حتى ولو لم تكتمل عدّة الأدلة من حوله.

بل ربما استطاع أن يأخذ معه إلى معركة تحقيق فكرته مقاتلين شرسين يؤمنون به هو وإن لم يشغلهم أمر فكرته كثيرًا!


لِنشطح قليلًا…


لا شك أنك تعرف تشارلز داروين، ولعلك سمعت عن رحلة البيجل “The Voyage of the Beagle” التي شكّلت حياة داروِن -داروِن أحسن عندي من داروين-. لا تتعجّل بالحكم أيها القارئ، فأنا أعلم عن نظرية داروِن في التطوّر والارتقاء ولست هنا بصددها.


إن الأمر الذي يلفت النظر ويدعو للتأمّل حين عاد داروِن من رحلته، كان قوّة إيمانه بفكرته وتصميمه عليها وعدم تخلّيه عنها، حتى لو كان الواقع الذي يعيش فيه يدفعه دفعًا لأن يفعل ذلك.


لقد  واجه هذا الإنجليزي معارضة كبيرة وانتقادات كثيرة حول نظريته التطورية، خاصةً بسبب نقص الأدلة المباشرة في ذلك الوقت. 


ومربط الفرس هنا هو صمود داروِن لا نظريّته. فعلى الرغم من رفض أغلب الناس لفكرته، إضافةً إلى اعترافه -هو نفسه- بوجود ثغرات كبيرة في نتائجه واستنباطاته، ظلّ واثقًا من أن الأبحاث المستقبلية ستدعم نظريته، حتى لو لم يستطع الرد عليها حين إثارتها.


المضحك في الأمر أن عامة الناس تحكم على الأسباب بالأثر الرجعي للنتائج. 

فلو فشل، لقال الناس: “تستاهل أيها العنيد المكابر”، ولو نجح لقالوا: “هذا الواثق من نفسه الذي لا تزعزعه المصاعب”! ولله في خلقه شؤون.


اعلم أن فكرتك ليست مقدسة. كن مرنًا، ومستعدًا لتعديل وتحسين الفكرة بناءً على التغذية الراجعة والتطورات الجديدة في المجال.

عودٌ على بدء


  ذَكَر مقال في هارفرد بزنس ريفيو أنّ “غياب الإنجازات المفاجئة” دليل على فشل الحل الابتكاري أو الإبداعي بعد إعطائه الوقت اللازم. 


فإن كانت فكرتك المبتكرة تستحق التنفيذ سترى أثرها الإيجابي يظهر في قفزات استثنائية ونتائج قوية تحققها المنظمة. يتّضح هذا الأثر حتى ولو كانت الفكرة صغيرة. لأن وجود شيء استثنائي ابتكاري ضئيل، سيؤثر إيجابًا وبشكل جليّ على القطاعات الاخرى.

(رابط المقال) على منصة مجرة 🌌.

التكرار المفرط والمعتاد للمهام والأنشطة لا يؤدي إلى نتائج استثنائية أو ابتكارات ملموسة. فعلى الرغم من أهمية العمل المستمر والتكرار لنيل الإتقان، فإن الابتكار والإنجازات الكبيرة تتطلب شيئاً أكثر من مجرد التكرار؛ تحتاج إلى تفكير خلاق واستراتيجيات مختلفة.


يقول نجم الفنون القتالية بروس لي: “أنا لا أخشى من تدرب على 10,000 ضربة لمرة واحدة، بل أخشى الذي تدرب 10,000 مرة على نفس الضربة”. ويُناقضه قريبه الكرتوني 😂😂 المدرب هينكل من مدرسة الكونغ فو وهو يزجر الفتى سامبي: “سامبي… إن تكرار الأشياء لا يُعطي نتائج باهرة”. 

بروس لي وهينكل


وبين المُقاتلين العظيمين أتوسط وأقول:

الابتكار يحتاج إلى الغزارة ثم المغامرة. إنك لن تفكّر “خارج” الصندوق، إلا إذا بذلتَ غاية الجهد وقتلتَ “داخل” الصندوق بحثًا وتجربة. 


هذا هو الغالب، ولا يوجد جزم في هذه الأمور، إذ قد يأتي بالفكرة من لا يهتمّ لها أو من لا يحفل بتطبيقها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top