هل قراراتنا مستقلة؟

 

يتخذ الإنسان قراراته عادة بناء على ما يراه صحيحًا، أو بناءًا على قناعته الذاتية في الغالب. لكن هل هذا الأمر متحقق دائمًا؟
الواقع أن الإنسان يعيش في مجتمع له عاداته وتقاليده وأموره التي تعارف واصطلح عليها، وهذا المناخ يؤثر على الشخص في كل ما يقرره.

 

إن نظرة المحيطين بأي إنسان تجعله يصدر عن رأي دخيل، لا عن رأي أصيل، فمهما كان الإنسان حياديًا أو متجردًا فهو يتعرض بشكل أو بآخر لضغط من البيئة و المجتمع التي تفرض عليه حدودًا عرفية تجعله في حيرة وتردد، فربما راعاها أكثر من اللازم فتفقد فكرته تأثيرها وقوتها التي كان صاحبها يريدها، وربما تجرأ عليها وضرب بها عرض الحائط، فيعود هذا على حياته الاجتماعية بالضرر البالغ.

 

إن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، يريد تقدير الآخرين ويطرب للمدح والثناء، لكن هذا الأمر له ضريبته وثمنه.
كثير من الرواد والزعماء والمفكرين واجهوا رفض المجتمع لهم وبعضهم مات ولم ينل من مجتمعه أي تقدير يذكر، وبعد وفاته وذهاب من كان يحسده أو من كان يحتقره لم يبق إلا فكره  وكتبه وتلاميذه فأعاد الناس النظر فيها بميزان العلم والإنصاف، فعرفوا مقدار فضله وذكروا سابقته ولكن بعد فوات الأوان.

 

قال تعالى: “قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ ۖ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ۚ مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَّكُم بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ”.  سـبأ:46

حصر الله سبحانه وتعالى موعظته لهم بهذه الموعظة الواحدة، لكنه -سبحانه- اشترط فيها شرطًا “مثنى وفرادى” وليس جماعات!! لماذا يا ترى؟


في ظني أن الإنسان إذا كان لوحده أو معه خل يعرفه ويثق به، تظهر رغباته الحقيقية وآراؤه المجردة التي تنبع من ذاته هو فقط. أما إذا كان في جماعة يعرفهم ولهم سمت واضح وطريقة مستقرة، خاف من إبداء ما يراه صحيحًا أو ربما غشيه ما يعكر صفو رأيه وحرفه إلى حيث يريد الناس.


كم مرة تناقشت مع بعض الناس في بعض المسائل، فكان لي رأي وله رأي يخالفه، فإذا كنا في مجموعة أو مع أناس آخرين، بان لي وجه آخر لم يكن كذلك الذي ظهر به أول مرة! أرى فيه حماسًا وعصبية طاغية، كأنه يريد أن يثبت للناس أنه هوالمدافع عن المجتمع وحامي حمى أعرافه وتقاليده. إن الرأي الجمعي والعرف العام له قوة كبيرة وسياج حديدي يجعل من يحاول اختراقه يحسب لذلك ألف حساب.


قال بعض الناس لأحد أصحابه: “لماذا عندما تكون وحيدًا أحبك، ثم إذا صرت في قومك انقلبت شيطانًا”!!
جزى الله (تويتر) كل خير فقد أظهر لنا كثيرا مما كان خافيا. الكتابة باسم مستعار تجعل الإنسان لا يخاف من اللوم ولا يهاب من نظرة الآخرين له، فتظهر آراؤه الحقيقية ويتكلم بحرية.


قد يقول لنا قائل: أليس من الأفضل أن يكون الناس على رأي واحد فهذا يجعلهم أكثر تلاحمًا وأقدر على مواجهة المخاطر؟
أقول له: إن عدم جهر الإنسان برأيه أو عدم تصريحه بما يرغب به لا يعني عدم وجوده، بل يعني عدم علم الآخرين به فقط، فهو يحوك في خاطره ويتلجلج في صدره وربما عرفه بعض المقربين منه، فالرأي الواحد الذي يبدو في الظاهر قد يكون من ورائه ألف رأي في الباطن.


في النهاية أقول: إن صاحب الكلمة يجب أن يصبر على الناس وعلى أذاهم إن كان يريد لها أن تؤثر وتغير في محيطه، ثم إن الأفكار الجيدة كما قال أحد الفلاسفة تمر بثلاث مراحل: السخرية، ثم المناقشة، ثم التبني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top