الاشتراك في الألفاظ مشعر بتقارب المعاني. إذا قال الإنسان: “أنا لا أحب أكل الطماطم: ثم قال: “أنا لا أحب التحرش الجنسي بالأطفال” فهذان التعبيران يشعران السامع بأن كرهه للأمرين متقارب نسبيًا.
لكن الواقع يقول إن كل الناس مجمعون على أن التحرش بالأطفال مكروه جدًا عند كل أحد، ولا نسبة بينه وبين أكل الطماطم ألبتة.
كثير من الناس يستخدم عبارات محددة لاتنبئ بالضرورة عن حقيقة مشاعره، ربما لعدم اعتيادهل لتعبير بشكل صحيح، أو عدم تربيته على أن يبوح بحقيقة ما يشعر به، فتأتي تعبيراته مضطربة تفيد معنى عامًا جدًا لا يشعر السامع بمقدار الرغبة الكامنة خلف هذا التعبير.
اعترى التعبير في كثير من مجتمعاتنا الشرقية العربية تشوه ونقص وعجز في أكثر صوره، خاصة بين الرجال بعضهم البعض، فقد اعتاد الرجل عندنا الكلام المقتضب القصير حتى بين الأخ وأخيه وبين الأب وابنه، فتراه يلقي الكلمة فردة لا يزيد عليها إلا عند الضرورة القصوى. أنا لا أعمم هذا ولكني أراه وأسمعه كثيرًا جدًا، وليس هذا راجعًا لطبع الإنسان فقط لأنه قد يتباسط في الحديث كثيرًا عند أصحابه الذين يثق بهم ويفضفض لهم.
برأيي أن أحد أهم الأسباب لهذا الأمر هو العيب الاجتماعي الذي لا يرحم أي إنسان -رجل خاصة- عند أي بادرة قد يفهم منها ليونة وتراخ، لا سيما عند من استقر رأيهم أن الرجل يحب أن يكون عمليًا صلبًا لا أثر للمشاعر عليه.
إن روح الصحراء القاحلة قد تركت على العرب أعمق الأثر، فالانتباه الشديد والاحتياط المبالغ فيه والحذر من الزلل قد أضافت للرجل أحمالًا لا تطاق وقيودًا قاهرة تحد من حريته في كل شيء تقريبًا، وهذا ليس غريبًا فقد قيل: “البيئة أم الناس”.
لكن ولله الحمد، أرى أن هذا الأمر قد بدأ يخف تدريجيًا وخاصة بعد شيوع وسائل التواصل الاجتماعي في أيدي عامة الناس، إذ بدأ الناس يدركون ضرورة التعبير وعدم الكبت الزائد عن اللزوم الذي اعتاد عليه آباؤهم وأجدادهم إلا ما ندر.
ثم إن الإنسان عدو ما يجهل فقد يخيل له بادئ الأمر أنه قد تجاوز الأعراف وأتى ما يعيبه ويحط من قدره، ولكنه لما رأى أن ذلك لم ينقص من قدره شيئًا ولا من مروءته، أدرك أن هذا أمر طبيعي ولن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه.