يوهان #28

 الديجاڤو، أو شعور “رأيت هذا من قبل!” تجربة غامضة لا يمكن الجزم بأسبابها، يمرّ بها كثير من الناس حين يشعرون أنّ موقفًا جديدًا حدث لتوّه أمامهم، قد حدث في الماضي! 

فُسّر الديجاڤو بعدّة تفسيرات، من أشهرها إرجاعه إلـى الاختلافات العصبية فـي الذاكرة، حيث يُعتقد أن خللًا طفيفًا فـي الدماغ سَبّب إشارات خاطئة، جعلت الجديد يبدو مألوفًا. 

أُحبّ الديجاڤو وأستبشر به. يحدث لـي بين حين وآخر، ويمنحني إحساسًا بالتميّز يجعلني أقف علـى الغوامض التي تتمايل بين عالم المُثُل المعنوية ودُنيا المادّة المشخّصة.

 الديجاڤو فرصة أتحدّى فيها الواقع. لطالما حاولت أن أسبق الديجاڤو وأُكمل الحدث الذي أراه أمامي قبل أن ينتهي، لكن لا فائدة، لم يحصل ذلك أبدًا!

 أُخادع نفسي وأحاول إقناعها أنني عرفت “التكملة”، ولم أُكملها بسبب ضيق الوقت أو أي شيء آخر. أعترف بضبابية تفسيري، لكنني كنت أعرف، ثقي بـي.

 فإذا التفت عقلـي إلـى حديثي، تهاوت حُجّتي وانهارت دفاعاتـي ورضيتُ من الغنيمة بالإياب، وآمنتُ بأنني لم أعرف شيئًا، ولم أُكمل ولو حرفًا!

ليت وقته يطول! فالديجاڤو الذي اعتدتُ عليه قصير جدًا، لا يسمح لي بالتفكير والتحليل. ليته يتمطط ويتمدد لأُدرك رغبتي وأثبتُ لنفسي أن الحجاب قد رُفع عني، وأنـي كنتُ أعرف “التكملة”، وأدحض نظرية الذاكرة التي سبقت “مدري ايش” أو العين اليمنى التي خدعت أختها اليسرى.

بحثتُ عن الديجاڤو، وبالصدفة اكتشفت توأمه الشرير المُعاكس الذي لا نكاد نعرف عنه شيئًا: الـ”جامي ڤو”. ومعناه “لم أرَ هذا من قبل!”، ويسمّى “المألوف المنسي”! أي أنك تكون أمام موقف أو شخص معروف عندك بلا جدال، ثم تشعر وكأنك تراه لأول مرة!

مثلًا: يتحدّث شخص مع أبيه أو أخيه فتنتابه علـى حين غرّة ثوانٍ من إحساس مُفاجئ يشعر فيها أن الشخص الذي يتكلم معه غريب مجهول لا يعرفه ولم يره قط من قبل! يستمر هذا الشعور لحظات خاطفة ثم ينتهي. وهكذا ينسى المرء أباه أو أخاه لبرهة من الزمن. 

ليس هذا شرود الذهن أو “الفهاوة” التي تحصل لنا جميعًا، بل هي صدمةٌ تصيب ذاكرة الإنسان يشعر بالذعر منها وربما كتمها عن أقرب الناس إليه!

الـجامي ڤو لم يحدث لـي من قبل. كنتُ جازمًا بهذا، ثم شككت الآن!؟ وغدًا ربما جزمتُ أنه حدث لـي كثيرًا، وقد اكتسب ذاكرة وهمية تُدافع عن ذلك وتنسج حوله الحكايات.

استوقفتني ملاحظة خلال بحثي، إذ لا أذكر أن أحد أسلافنا، أو علماءنا القدماء تكلم عن هذه الظاهرة بنوعيها!! عجيب، فأنا أفترض أنها ليست ظاهرة معاصرة، أو اختلالًا جلبته الحداثة أو الثورة الصناعية، فعلامَ يتجاهلونها!؟ أو ربما ذكروها لكنني لم أصادف ذلك! لا أدري 🤷🏻‍♂️🤷🏻‍♂️

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top