على رأس الألفية الثالثة للميلاد نُشرت نظرية اسمها “تأثير دانينج-كروغر”. تقول النظرية باختصار: إن الناس الذين لا يعرفون الكثير يميلون إلى التقييم المبالغ فيه لمهاراتهم. بمعنى آخر، كلما كان يعرف أقل، ظنّ أنّه يعرف أكثر!
مثلًا، كهل أُحيل إلى التقاعد، ومع الفراغ المفاجئ الذي داهمه، وظهور بعض علامات الكِبَر عليه؛ صار يقرأ بعض بعض المقالات الطبيّة، ويتابع بعض الأطباء.
بعد مدةٍ من سلوكه هذا، لا تستغرب أن تجده يتبنّى نظريات جديدة فـي الطب، ويزعُم أن الطب الحديث تسويقي تجاري. ويجزم أن العلاجات لأمراض مستعصية مزمنة قد اكتُشفت قبل عقود، لكن المنظمات الرأسمالية وشركات الأدوية تمنع خيرها عن الناس.
أو جارك الذي أثنى عليه أهله بأنه حَرَكيّ و”شغّيل” فظنّ أنه يستطيع إصلاح السيارة بعد مشاهدة فيديو سريع على تيك توك. فانتهى الأمر بها تُصدر أصواتًا كأنها تتمضمض للصلاة!
لكن، أليست الثقة محمودة طيّبة!؟ فما بال الأذكياء أقل ثقة؟!
يعاني الأذكياء من العكس تمامًا. فكلّما عرفَ أكثر، أدرك أن هناك الكثير الذي لا يعرفه. وهذا يجعل الذكي يشكّ في قدراته كثيرًا، بينما ينطلق الغبيّ باطمئنان نحو الهاوية!
الذكيّ تملأ عقله فلاتر واحترازات وشروط، تُلجم فاه عن الكلام وتشدّ قلمه إلى الوراء.
إذا أراد إطلاق حكم أو تعميم نظرية ثارت في رأسه تلك الفلاتر والشروط فلا يجرؤ أن يضرب بها عرض الحائط ويمضي.
على الضدّ من الغبي الذي يشعر أنه أدرك الحقيقة بسرعة، ووجد الحلّ مباشرةً. وليس عنده ما يصدّه من الفلاتر والاحترازات فيفتح فمه ويحرّك لسانه بحرية تامّة.
يُطلق أحكامًا، يرفع أقوامًا ويضع آخرين. ويكون –فـي عين نفسه- أبرع من نيوتن فـي الفيزياء، وأفقه في الدين من الشافعي!
يقول الفيلسوف البريطانـي بِرتراند رَسل: “مشكلة العالم أن الحمقى والمتعصّبين يتميّزون بالثقة المفرطة بأنفسهم، وأنّ الحكماء يملؤهم الشكّ والحَيرة!”
لا أُنكر أن قدرًا من الثقة والمغامرة ضروريّ للإنسان لاكتشاف الجديد وبناء شخصيّته، لكن الغباء المذموم هو انعدام البصيرة، وألّا يُدرك الإنسان متى يتقدم ومتى يتراجع.