لماذا نشعر أننا مُتأخرون دائمًا!؟
هناك طرق للتعامل مع هذا الشعور!؟
أبدأُ يومي بإحساس بغيض ومشاعر مُثقلة بالهموم. هناك أشياء يجب علي فعلها.
مهام وواجبات مؤجلة متراكمة، لا مناص لي من تأديتها. أنا الآن متأخر، ودائمًا ما كنت كذلك. يفوتني كل شيء باستمرار.
كل صباح، أصحو من نومي أحملُ أثقالًا من يومي السابق، وكل يوم أكون متخلّفًا. لا أدرك الجدول الذي ألزمت نفسي به أبدًا، فضلًا عن أن أسبقه!
لدي الكثير من المسؤوليات. هذا جنون!
قائمة مهامي “الـ تو دو ليست” تتزاحم فيها الواجبات والأعمال، والوقت يمضي والمهام ثابتة لا تنقص، بل تزيد!!
مهامٌ أتمنى أن تُنجز من تلقاء نفسها، لكنها لا تفعل!
هل يبدو هذا شائعًا لك؟ أتَشعرُ أنك خبرت هذا الإحساس من قبل؟
هل تجد نفسك دائمًا متأخرًا وخلف الركب؟ لا يمكنك أن تلحق بزملائك أو تدرك أحلامك؟!
لا تحزن، فكلنا في هذا شركاء.
تُثقِلنا هذه المشاعر، وقد تطغى علينا، وتورِثنا تشوشًا في الرؤية، وضبابية في الأفكار؛ تجعلنا عاجزين عن العمل، وفقراء في الإنتاج والإبداع.
في شرّ تلك الأيام، نستيقظ على الحال التي ذُكرت أعلاه، وليتها تنتهي بعد ذلك، إذن لكان الأمر مُحتمَلًا.
بل هي تمتدّ معنا طوال اليوم، تُقلقنا وتجعلُنا نريد إنجاز كل شيء دفعة واحدة، وفي أسرع وقت.
يتردد صوت بغيض في رأسك: أنت متأخر، أنت مهمل، عندك الكثير من المهام وراء ظهرك. أفٍ لك.
تشعر أنك أسيرٌ وما من سجّان، مَدِينٌ وما من “ديّان”.
يجعلك ذلك مشتت التركيز، خاوي العزم. تنجز القليل من شيء ما، ثم تنتقل إلى شيء آخر ثم ثالث وهكذا، لا تستقر على حال، ولا تحصر ذهنك في أمر واحد.
هذا الإحساس المستمر بالتأخر والتخلف، يدفعنا إلى خيارين على الأغلب:
إما أن نحرق أنفسنا خلف سراب المهام غير المنجزة، أو أن نلغي كل شيء ونبدأ من الصفر! وهما أمران أحلاهما مر.
يأتي الشعور بأننا متخلفون عن الركب أو متأخرون دائمًا، من أسباب عدة. أجلاها وأوضحها: المقارنة.
المقارنة مع الأقران واللِدات (جمع لِدَة ، وهو من كان في مثل سنك)؛ كوننا نعيش في وسط يعج بوسائل التواصل لاجتماعي الشخصية والعامة.
لأن الناس لا تُظهِر إلا الجانب الإيجابي من حياتها في وسائل التواصل، ولا تشارك إلا ما ترى أنه الأفضل دائمًا؛ نقع تحت عبء هائل، وشعور بالنقص يضغط على عقولنا وقلوبنا، ويُشعرنا بعدم الأهلية والكفاءة.
التوقعات المجتمعية والخطط السنوية تعزز أيضًا من هذه المشاعر، وتساهم في حدّتها و تفاقمها.
يمكن لمنصات مثل “سنابشات” و”انستغرام” أن تخلق وهمًا بالكمال المثالي والنجاح الدائم، قد يجعل أي شخص يشعر بالتخلف عن الركب.
من الضروري أن نتذكر أن رحلة كل شخص فريدة من نوعها، وأن الشعور بالتأخر غالبًا ما يكون نسبيّاً.
فقد يتأخر أحدنا في شيء ويتقدم في آخر، كما أن احتياجاتنا مختلفة في هذه الدنيا، فأخذ الناس على مسطرة واحدة ظُلم بيّن وجهل بالطبائع والأسباب.
إذن، ما هو النجاح؟ ولماذا نعدّ أنفسنا متأخرين؟
من أهم الأشياء لتصحيح نظرتنا لأنفسنا، أن نفهم أولًا ما هو النجاح؟ أو نعيد تعريفه بالأحرى.
إجلس في مكان هادئ، وفكر بعمق في قيمك وأهدافك. واسأل نفسك: أهذه الأهداف والقيم التي أُتعب نفسي من أجلها، مناسبةٌ لي وتُلبّي ما أريده؟
هل هي منّي و إليّ، أم استعرتها من غيري ولا علاقة لي بها، ولا أحتاجها أصلًا؟
قد تتفاجأ أن أهدافك وقيمك لا تتوافق مع ما ترغب أن تكون حقًا!
لا تندب حظّك، وحاول أن تتعرف على نفسك أكثر، وابذل جهدك لتعرف ما يهمك حقًا.
يُعدّ تبني عقلية النمو أمرًا ضروريًا أيضًا لإعادة تعريف النجاح. إذ لا تحدث الأشياء ضربة واحدة أو تنبثق من العدم فجأة.
النجاح يحتاج إلى زمن.
تَقبّل عيوبك، وافهم أن التقدم المستمر -لا الكمال- هو مفتاح النجاح.
لا يوجد جدول زمني عالمي لتحقيق النجاح. إن كنت تتقدم ستدرك نجاحك الخاص في وقتك المناسب.
إن الشعور بالتخلف وفوات القطار، فخ قاتل يهوي بصاحبه في دوامة من التفكير السلبي والإحباط، يودي به إلى الإفلاس والعجز.
هو -في نهاية الأمر- شعور. ومع أن جميع المشاعر حقيقية، إلا أنها ليست كلها مبنية على حقائق.
الشعور بالشيء لا يمثل دومًا حقيقة الشيء نفسه.
نحن لسنا أدوات أو مُنتجات تخرج من خط إنتاج واحد. قوالب متماثلة يُفترض أن تسير كلها وفق معايير محددة مقيسة مضبوطة.
فنستطيع بناءً على هذه المعايير أن نحكم على المنتج، هل هو صالح أم معيب!؟
إنّ كل واحد منا يحمل قصته في داخله، وهو أدرى بنجاحاته وإخفاقاته.
إننا متباينون جدًا. حتى إن إخفاقات أحدنا وفشله، تُعدّ أحلامًا ونجاحات لأحدنا الآخر.
نحن متساوون في الآدمية والحقوق، أما الآمال والتطلعات والطموحات، فبيننا وبين بعضنا كما بين المشرق والمغرب.
الحياة ليست سباقًا ولا منافسة، حتى ولو كانت الثقافة السائدة تقنعنا بذلك.
نُدمن تقييم أنفسنا ونقسو عليها كل يوم، وهذا لا يفلح إلا في شيء واحد فقط:
أن يسرق فرحنا وينغص عيشنا، ويمنعنا من عيش لحظتنا الحاضرة.
عيشُنا في العواصم والمدن الكبيرة ألقى بظلاله على كل مناحي حياتنا، وصرنا نحاول أن نُخضع كل شيء في حياتنا للأرقام ومؤشرات الأداء.
شاعت البراغماتية، وثقافة رأس المال والشركات، وأصبحت علاقاتنا الإنسانية كالمعادلات الرياضية، تقودها الخسائر والأرباح.
صرنا نلهث لنبلغ السراب،ونكد أنفسنا لتحقيق كل شيء وفي نفس الوقت.
كل هذه مشاكل بلا حلول! ماذا نفعل إذن؟!
لا يوجد حل سحري حاسم، فهذه مشكلةٌ ثقافية اجتماعية، وليست معاناةً فرديةً يمكن التغلب عليها بقرار من صاحبها.
لكن ليس لنا إلا أن نُلقي الحجر في الماء الراكد. والتفاؤل بوجود الحل أو تخفيف الأثر السيء، خيرٌ من البكاء على اللبن المسكوب.
يتفق من أعرفهم من المخططين الشخصيين والاستراتيجيين على بعض الخطوات المناسبة للتعامل مع هذه المشكلة، ويوصون بالتالي:
1- قسّم هدفك الكبير إلى مهام أصغر.
لكن انتبه لا تجعل هذه المهام متداخلة، بل أنجز مهمة صغيرة كل يوم من نفس الهدف وكفى.
2- راجع قائمة مهامك وأهدافك، واسأل نفسك بصدق: هل كل هذه المهام والأهداف؟ ضرورية وعاجلة أم لا؟
لا تملأ جدولك بمهام لا قيمة لها لمجرد أن يُقال أنك منجز، أو لتشعر بالرضا والإنجاز فقط. ابدأ بالأهم فالذي يليه.
3- الإنجاز والانتهاء أولى من الكمال. أنجز الأعمال بالحد الكافي أو الحد الذي يمكن أن تُنجز به، وقاوم الرغبة بالكمال، فهي وحش سيبتلع كل إنجازاتك ولن يسمح لك بالتقدم أبدًا.
افعلها الآن ولا تؤجل أبدًا. “الأمس هو الوقت المناسب للبدء” كما يقول الإنجليز.
4- احذف التطبيقات التي تُشتت انتباهك وتشجعك على إضاعة رأس مالك الأغلى وهو الوقت.
لا تندم عليها ولا تتأسف لها. فهي تضرك أكثر مما تنفعك.
ولا بأس بلعبة تحبها، أو تطبيق تواصل اجتماعي تشعر فيه بالراحة. لكن لا تجعلها زائدة عن حاجتك. تطبيق أو اثنان كافية.
5- بعد كل ذلك، لن تنجز كل المهام في قائمتك فهذا شيء مستحيل تقريبًا.
تصالح مع النقص، ومع شعور عدم التأكد، فمتغيرات الحياة أكبر من أن نحيط بها، ولا حل لنا إلا تقبُّلها فهي لا تتغير.
6- ابنِ روتينك الخاص. فالروتين هو الضمان الأكبر لإنجاز أهدافك؛ لأنه يجمع لك بين الشعور بالإنجاز، والتراكم الذي لا تحدث الأهداف إلا من خلاله.
7- الأصدقاء الإيجابيون من أحسن ما يقتنيه المرء في حياته. هم رأس مال عظيم لا يباع في الأسواق ولا ينال بالمال.
إن حباك الله ببعضهم فحافظ عليهم، وعض عليهم بالنواجذ.
وإن لم تظفر بأحد منهم، فحاول أن ترتبط بمجتمع إيجابي، ولو بشكل افتراضي كمجموعات “التليجرام أو الميت اب” لأنها ستشحنك بطاقة إيجابية تسمح لك بالاستمرار في رحلتك.
8- احتفل بإنجازاتك، ولو كانت صغيرة.
لا تحتفل وحدك وأشرك الآخرين المحبين معك.
هذا يجعل إنجازك فرحًا عامًا تودّ تكراره دائمًا.
خاتمة
الشعور بالتأخر والتخلف في الحياة، أمر شائع غير مستغرب. ويمكن التغلب عليه أو التعامل معه عن طريق فهمه وتغيير وجهة نظرنا حوله.
ثم اتخاذ إجراءات مقصودة بشأنه: تبدأ. بفهم الأسباب الكامنة وراءه، مثل: المقارنة مع الآخرين، أو الضغط المجتمعي. ثم التركيز على نموّنا الشخصي والتقدم الذاتي.
متخذين بعض الخطوات التي تساعدنا على المضي في الرحلة مثل: تقسيم الأهداف إلى خطوات أصغر، وبناء روتين خاص، والمبادرة، والاحتفال بالإنجازات الصغيرة.