حياتنا مؤقتة. أقصر من أن نفنيها في مجاملة باردة، أو في نقاش عقيم لا طائل منه، أو في شيء لا نريد القيام به، ولا يدفعنا له دِينٌ ولا ضرورة, فالحياة قصيرة والخيارات لا تنتهي.
في أيامنا هذه صار كل شيء متنوعًا متضخمًا، الترفيه في كل مكان، ووسائل التواصل تملأ الدنيا، والمحتوى من كثرته يَشغَل جزيئات الفراغ بين السماء والأرض. ولا وقت لهذا كله. فالعمر لايكفي، والالتزامات كثيرة.
تصيبنا الحيرة والارتباك جراء ذلك، نقرر أننا سنفعل شيئًا معينًا، فلا يمضي قليل من الوقت حتى نغير رأينا ونقرر شيئًا آخر، فثالثًا، ثم رابعًا وهكذا. يمضي الوقت والنتيجة لاشيء كما قال الشاعر:
فعلًا لا ظفر ينال به مبتغاه، ولا إخفاق يتعلم منه.
أذكر أنني كثيرًأ ما أعقد العزم على فعل شيء ما، فأحتشد له، وأتفرغ، فإذا قعدت له وصرنا في ميدان الأفعال، تجاذبتني الملهيات والرغبات والأفكار المعترضة، وصار الوقت يمر سريعًا جدًا، فإذا لبثت قليلا ونظرت إلى الساعة وجدتُني قضيت ساعتين أو ثلاثاً! والمؤلم أنها في لاشيء.
وياليتني كنت قد قررت أن أضيع وقتي عابثًا في هذا اللاشيء، فلا بأس، لم أكن لأندم أبدً على ذلك. لكنني قضيت وقتي قلقًا، كالذي يترقب شيئا لا وجود له أو يهرب من مواجهة شيء يخافه. ولست وحدي في هذا، فأصحابي ومعارفي يعانون مثلي، والشكوى عامة عند كل البشر.
يقول الشيوخ الذين وخط الشيب أفوادهم وجازوا قنطرة الخمسين، وصاروا إلى ملكوت السماء أقرب منهم إلى ملكوت الأرض، أن السبب في ذلك هو انعدام البركة. نعم، فجيلكم في زمن فاسد وفي ضلال وعبث، فكيف تريدون التوفيق والتيسير!؟
أَشعُـر بالأسى لمن يتكلم بهذا الكلام، ليس بسبب محتواه طبعًا، بل لأن هذا الشيخ تقليدي، فقيرٌ في (الكرييتيڤيتي)، يعيد ويزيد اسطوانةً مشروخةً، وحديثًا مكرورًا. سمعه ممن سبقوه، وأَسمَعنا إياه، وسنُسمِعُه لمن بعدنا غالبًا.
أُدرك أن التشتت كالجائحة في زماننا، يمنعنا من التركيز، ويقضي على زهرة الوقت وشبابه. غير أني أظن أن غياب الدافع، والقيمة العليا، وفقدان البوصلة، هي أهم ما يمنعنا من التقدم، وإنجاز أهدافنا دنيوية كانت أم أخروية.